قصة عمر وسلمي في المكتبة
![]() |
| قصة عمر وسلمي في المكتبة |
كان عمرو يعمل في دار نشر صغيرة في وسط المدينة، يحرر المخطوطات ويعيش حياة هادئة، روتينية. لا مفاجآت، لا مغامرات… حتى ظهرت سلمى.
سلمى كاتبة جديدة، جاءت تحمل رواية بخط يدها، تبحث عن فرصة لنشرها. كانت واثقة، ذكية، وكلماتها تشتعل بين السطور.
عندما جلسا لأول مرة في غرفة التحرير الضيقة، لم يكن بينهما سوى نصّ مكتوب… لكن مع كل جلسة مراجعة، بدأت المسافة بين الكلمات تضيق، والمسافة بينهما كذلك.
ضحكات خفيفة، نظرات ممتدة، ولمسات عابرة بالصدفة، أصبحت أكثر تكرارًا، أكثر توترًا. وفي أحد الأيام، انقطعت الكهرباء أثناء جلسة المراجعة. الغرفة صمتت، إلا من صوت أنفاسهما.
قالت سلمى:
— "أحيانًا، تحتاج القصص للظلام كي تنكشف أعمق طبقاتها…"
ردّ عمرو بنبرة منخفضة:
— "وأحيانًا، نحتاج نحن للظلام كي نعترف بما نخفيه في النور."
مرت لحظة طويلة، لا يرى أحدهما ملامح الآخر، لكن كل شيء أصبح واضحًا.
اقتربا دون أن يراهما أحد. لم يكن هناك شيء صريح، ولا كلمات كبيرة. فقط صمت عميق، وقلوب تتسارع.
وفي الأيام التالية، تغير كل شيء. أصبحت لقاءاتهما أكثر دفئًا، أكثر صدقًا. كانا يكتبان الرواية سويًا… رواية لا تُطبع على ورق، بل تُحفر في القلب.
الجزء الثاني
مرت أسابيع منذ تلك الليلة التي انقطعت فيها الكهرباء. ما بين جلسات المراجعة، والمقاهي، والرسائل الطويلة آخر الليل، أصبح عمرو وسلمى أكثر من مجرد كاتب ومحرر.
لكن التوتر بينهما ظلّ معلقًا في الهواء، مثل جملة لم تُكمل.
في إحدى الليالي، كانت سلمى تتأمل النص المطبوع وقالت:
— "هل تظن أننا نكتب رواية حب… أم نعيش واحدة؟"
صمت عمرو لحظة، ثم أجاب بصوت خافت:
— "أخشى أننا نفعل الاثنين… وهذا ما يخيفني."
رفعت عينيها إليه، وبدا على ملامحها شيء من الحزن.
قالت بهدوء:
— "أنا مخطوبة يا عمرو… من سنوات. علاقة باهتة، لكنها موجودة. لا شيء فيها يشبه ما بيننا…"
كانت تلك الكلمات مثل طعنة باردة في صدره.
هو لم يطلب منها يومًا شيئًا، لكنه في قرارة نفسه… كان يأمل.
ثم ابتعد لأيام. لم يردّ على رسائلها. لم يذهب إلى المكتب. جلس في غرفته يتأمل سطورًا لا يستطيع أن يُكملها. لكنه لم يستطع أيضًا أن ينسى عينيها… كلماتها… لَمساتها حين كانت تقرأ بجانبه.
وفي مساء خريفي، عاد إلى المكتب. وجد روايتها موضوعة على مكتبه، وبين الصفحات، ورقة صغيرة.
"اخترت الحقيقة… سأترك خطيبي. لكنني لن أُكمل الرواية وحدي. إن أردتها أن تنتهي، فأكملها معي."
رفع رأسه، ووجدها واقفة عند الباب، بلا مظلة… يبلل المطر كتفيها.
اقترب منها… وسألها بصوت خافت:
— "هل أنتِ متأكدة؟"
قالت بابتسامة مرتعشة:
— "الحياة لا تُكتب على الورق يا عمرو. الحياة تُعاش… وأنا أريد أن أعيشها معك."
مدّ يده نحوها… كانت دافئة رغم المطر. وسار بها نحو الداخل، حيث ستُكتب بقية الرواية — لا على الورق، بل على أنفاس الليالي القادمة.
إذا تحب، أكتب لك جزءًا ثالثًا فيه مواجهة مع الماضي، أو ربما سفر مفاجئ، أو اختبار جديد للعلاقة. تحب النبرة تظل رومانسية ناعمة، ولا تصير درامية قوية؟
